حضر بعض أدباء المغرب مجلس السلطان إسماعيل، أو ابنه محمد، وقرأ هذا الأديب بين يديه صحيفة، فجاءت كلمة:"الوخيد"(١)، فقرأها:"الوخيذ"- بالذال المعجمة-، فأرجعه السلطان، فقال ذلك الأديب: إنه - بالمعجمة والمهملة -، فطلب منه شاهداً على ذلك، فارتجل:
أقولُ لصاحبي لما ارْتَحَلْنا ... وأشْرَعْنا النَّجائِبَ في الوخيذِ
تمتَّعْ من لذيذِ كلامِ حورا ... فما بعدَ العَشِيَّةِ من لَذيذِ
وإذا كان هذا الأديب قد خرج من مجلس السلطان في ستر، فقد لقي ما يلقاه المستخفّ بحق الأمانة في العلم، فافتضح أمره، ووعت صحف التاريخ حديثه، فأزرى بقدره.
وإذا أبديت في العلم رأياً، ثم أراك الدليل القاطع أو الراجح أن الحق في غير ما أبديت، فمقتضى الأمانة أن تصدع بما استبان لك أنه الحق، ولا يمنعك من الجهر به أن تنسب إلى سوء النظر فيما رأيته سالفًا، فما أنت إلا بشر؛ وما كان لبشر أن يبرئ نفسه من الخطأ، ويدعي أنه لم يقل ولن يقول في حياته إلا صواباً.
والأمانة هي التي كانت تحمل كبار أهل العلم على أن يعلنوا في الناس رجوعهم عن كثير من آراء علمية، أو اجتهادات دينية، تبينوا أنهم لم يقولوا فيها قولاً سديداً.
تجد هذه الفضيلة في الأئمة المقتدى بهم؛ كمالك بن أنس، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل؛ والفتاوى التي رجع عنها أمثال هؤلاء