للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرض أعلم منك، فقال مالك غير مستوحش: إذا رجعت، فأخبرهم أني لا أحسن.

وقال الكاتبون في سيرته: لو شاء رجل أن يملأ صحيفته من قول مالك: "لا أدري"، لفعل.

ونقرأ في سيرة الشعبي: أنه سئل عن مسألة، فقال: "لا أدري"، فقال له السائل: فبأي شيء تأخذون رزق السلطان؟ فقال: لأقول فيما لا أدري: "لا أدري".

ومن شواهد أمانة محمد بن الأعرابي: أن محمد بن حبيب سأله في مجلس واحد عن بضع عشرة مسألة من شعر الطَّرِمّاح، فكان يقول: لا أدري، ولم أسمع، أفأحدس لك برأي؟!.

وقد تخون الرجل ذاكرته، أو تأخذه غفلة، فيقع لسانه في خطأ، وينبه بعد، أو يتنبه من نفسه إلى هفوته، فإن كان على حظ عظيم من الأمانة، بادر إلى إصلاخ خطئه بنفسه، غير مستنكف من الاعتراف بما أخذه من ذهول قلب، أو غلط لسان.

حضر أبو بكر بن العربي (١) مجلس أبي الفضل النحوي، فسمعه يقول: طلّق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وآلى، وظاهَرَ، فلما انصرف، قصده إلى منزله، وقال له: أصلحك الله! قلت: إنه - صلى الله عليه وسلم - طلّق وآلى وظاهر، وإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يظاهر؛ فإن الله جعل الظهار منكراً من القول وزوراً، فكان من أبي الفضل أن شكره، ومن


(١) هكذا وردت هذه القصة في كتاب "الفائق" لابن راشد القفصي، وأوردها أبو بكر ابن العربي في كتاب "الأحكام" على أنها وقعت لمحمد بن قاسم العثماني حين حضر لمجلس أبي الفضل الجوهري.