للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أمر هذين، لرأيت أن القضاة هلكوا، فإنه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده.

وصف الإسلام ما في العدل من فوز، وأعلن بما في الحيف من شقاء، وكان قضاؤه - صلى الله عليه وسلم - المثل الأعلى لصيانة الحقوق، والتسوية بين الخصوم، ويكفي شاهداً على هذا: أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد إقامة الحد على امرأة مخزومية سرقت، فخاطب قريش أسامة؛ ليكلم رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في إسقاط الحد عنها، فقال- صلوات الله عليه-: "أتشفع في حد من حدود الله؟! " ثم قام فخطب، قال: "يا أيها الناس! إنما ضل من قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف، تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يدها".

رسم - عليه الصلاة والسلام - طريق العدل في القضاء قيّمة غيرَ ذات عوج، وزادها بسيرته العملية وضوحًا واستنارة، فاستبانت لأصحابه في أجلى مظهر، فاقتدوا بهديها الحكيم، وأروا الناس القضاء الذي يزن بالقسطاس المستقيم.

انظر إلى قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في رسالته إلى أي موسى الأشعري: "آسِ (١) بين الناس في مجلسك، وفي وجهك، وقضائك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييئس ضعيف من عدلك".

كان للإسلام وسيرة الذين أوتوا العلم من رجاله أثر في إصلاح القضاء كبير، ولا تشرق المحاكم بنور العدل إلا أن يمسك زمامها رشيدُ العقل، راسخ الإيمان بيوم الفصل.


(١) آسِ؛ سوِّ بينهم، واجعل كل واحد أسوة خصمه.