فتقوى الله تحمل القاضي على تحقيق النظر في كل واقعة حتى يتعرف الحق، ولا يأخذ بأول ما يلوح له من الفهم، وإن تيقن أن قضاءه نافذ، وما له في الرؤساء من معقب.
ومن أمراء الأندلس من كان يعزل القاضي متى رأى منه السرعة في فصل القضايا التي تستدير بطبيعتها شيئاً من التروي؛ إذ يفهم من هذه السرعة عدم تحرجه من إثم الخطأ في الحكم.
وتقوى الله هي التي تقف القاضي في حدود العقل، لا يخرج عنها قيد أنملة في حال.
قيل للقاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي: ألا تؤلف كتاباً في أدب القضاء؟ فقال:"اعدِلْ ومدَّ رجليك في مجلس القضاء، وهل للقاضي أدب غير الإسلام؟! ".
وفي سيرة أبي عبد الله محمد بن عيسى أحد قضاة قرطبة: أنه "التزم الصرامة في تنفيذ الحقوق، والحزامة في إقامة الحدود، والكشف عن البيان في السر، والصدع بالحق في الجهر، ولم يهب ذا حرمة، ولا داهن ذا مرتبة، ولا أغضى لأحد من أرباب السلطان وأهله، حتى تحاموا حدة جانبه، فلم يجسر أحد منهم عليه".
ونقرأ في وصف إبراهيم بن أبي بكر الأجنادي أحدِ قضاة مصر: أنه "كان لا يقبل رسالة ولا شفاعة، بل يصدع بالحق، ولا يولي إلا مستحقاً".
وامتحن عبد الله بن طالب - أحد قضاة القيروان -، فكان يقول في سجوده وهو في السجن:"اللهم إنك تعلم أني ما حكمت بجور، ولا آثرت عليك أحداً من خلقك، ولا خفت فيك لومة لائم".