ووصف المؤرخون محمد بن عبد الله بن يحيى - أحد قضاة قرطبة - بأنه "لم يداهن ذا قدرة، ولا أغضى لأحد من أصحاب السلطان، ولم يطمع شريف في حَيْفه، ولم ييئس وضيع من عدله، ولم يكن الضعفاء قط أقوى قلوباً ولا ألسنة منهم في أيامه".
ومن القضاة العادلين من تطرح بين يديه قضية يدلي فيها أحد الخصمين بشهادة الخليفة نفسه، فيرد الشهادة في غير مبالاة.
شهد السلطان بايزيد عند شمس الدين محمد بن حمزة الفناري قاضي الآستانة في خصومة رفعت إليه، فرد القاضي الشهادة، ولما سأله السلطان عن وجه ردها، قال له: إنك تارك للجماعة! فبنى السلطان أمام قصره جامعًا، وعين لنفسه فيه موضعاً، ولم يترك الجماعة بعد ذلك.
ورفعت قضية إلى محمد بن بشير قاضي قرطبة، أحدُ الخصمين فيها سعيد الخير عم الخليفة عبد الرحمن الناصر، وأقام سعيد بيّنةً أحدُ شهودها الخليفة نفسه، ولما قدم كتاب شهادة الخليفة إلى القاضي، نظر فيه، ثم قال لوكيل سعيد: هذه شهادة لا تعمل عندي، فجئني بشاهد عدل، فمضى سعيد إلى الخليفة؛ وجعل يغريه على عزل القاضي، فقال الخليفة: القاضي رجل صالح، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولست والله! أعارضه فيما احتاط به لنفسه، ولا أخون المسلمين في قبض مثله! ولما سئل ابن بشير عن رد شهادة الخليفة، قال: إنه لا بد من الإعذار في الشهادة، ومن الذي يجترئ على القدح في شهادة الأمير إذا قبلت؟! ولو لم أعذر، لبخست المشهود عليه حقه.
فالإسلام يلقن القاضي أنه مستقل، ليس لأحد عليه من سبيل؛ وقد قصّ