علينا التاريخ: أن كثيراً من القضاة العادلين كانوا لا يتباطؤون أن يحكموا على الرئيس الذي أجلسهم على منصة القضاء حكمَهم على أقصر الناس يداً، وأدناهم منزلة.
قال ابن عبد السلام يصف القضاة العادلين:"وربما كان بعضهم يحكم على من ولّاه، ولا يقبله إن شهد عنده".
وقال المقري يصف القضاء في الأندلس:"أما خطة القضاء بالأندلس، فهي أعظم الخطط عند الخاصة والعامة؛ لتعلقها بأمور السلطان، وكون السلطان لو توجه عليه حكم، حضر بين يدي القاضي".
وحكم ابن بشير قاضي قرطبة على الخليفة عبد الرحمن الناصر في قضية رفعها عليه أحد المستضعفين من الرعية، وأُبلغ الخليفةُ الحكمَ مقروناً بالتهديد بالاستقالة من القضاء إذا لم يسلم الحكم، ويبادر إلى تنفيذه.
ومن القضاة العادلين من يرمي بالمنصب في وجه الدولة إذا أخذ بعض رجاله يتدخل فيما يرفع إليه من الخصومات.
فعل هذا إبراهيم بن إسحاق قاضي مصر حين تخاصم إليه رجلان، وأمر بكتابة الحكم على أحدهما، فتشفع المحكوم عليه إلى الأمير، فأرسل إليه يأمره بالتوقف عن الحكم إلى أن يصطلحا، فترك القضاء، وأقام في منزله، فأرسل إليه الأمير يسأله الرجوع، فقال: لا أعود إلى ذلك أبداً، ليس في الحكم شفاعة.
وفعل هذا برهان الدين بن الخطيب بن جماعة أحدُ قضاة مصر، عارضه محب الدين ناظرُ الجيش في قضية، فقال: لا أرضى أن أكون تحت الحجر. وصرف أتباعه، وصرح بعزل نفسه، وأغلق بابه، فبلغ أمره الملك الأشرف،