فانزعج، وما زال يسترضيه حتى قبل، واشترط عليه أشياء تلقاها منه بالإجابة.
والرئيس الناصح يُكبر القاضي الذي يأنس منه استقامة، ويعمل لإرضائه حتى يصرفه عن الاستقالة.
أرسل أبو عبيد قاضي مصر أبا بكر بن الحداد إلى بغداد ليستعفي له عن القضاء، فأبى الوزير علي بن عيسى بن الجراح أن يعفيه، وقال: ما أظنه إلا أنه كره مراقبة هلال بن بدر؛ لأنه شاب غرّ لا يعرف قدره، فانا أصرف هلالًا، وأولي فلاناً، وهو شيخ عاقل يعرف قدر القاضي.
والرئيس العادل يُعجَب بالعالِم الذي دلته التجربة على استقامته عند الحكم، وتجرده من كل داعية غير داعية ظهور الحق، ويدعوه هذا الإعجاب إلى إقامته قاضياً بين الناس.
أخذ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فرسًا من رجل على سوم، فحمل عليه، فعطب، فخاصمه الرجل، فقال عمر: اجعل بيني وبينَك رجلاً، فقال الرجل: إني أرضى بشريح العراقي. فقال شريح: أخذته صحيحاً سليماً، فأنت ضامن له حتى ترده صحيحاً سليماً، قال الشعبي - وهو راوي القصة -: فكأنه أعجبه، فبعثه قاضياً.
ولصعوبة القضاء من ناحية التثبت من الحق أولاً، والقدرة على تنفيذه ثانياً، أبى كثير من العلماء الأتقياء أن يقبلوا ولايته، ورفضوها بتصميم، يخشون أن يعترضهم في التنفيذ ما لا طاقة لهم بدفعه، أو يخشون الزلل عند النظر في بعض النوازل وتعرّف أحكامها؛ فإن إدراج الوقائع الجزئية تحت الأصول الكلية عسير المدخل؛ لكثرة ما يحوم حوله من الاشتباه، فكثير من الجزئيات تحتوي أوصافاً مختلفة، وكل وصف ينزع إِلى أصل، وقد يكون في