للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصل الذي هو أمسّ بالواقعة خفاء لا ينكشف إلا أن يردد القاضي الألمعي نظره، ويجهد في استكشافه روبته.

عرض هارون الرشيد على المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث قضاء المدينة المنورة بجائزة قدرها أربعة آلاف دينار، فأبى، وقال: لأن يخنقني السلطان أحبُّ إليَّ من القضاء.

ومن العلماء من يأبى قبولها، ويكون الأمير ممن يقدر قدره، ويراه أقدر أهل العلم على القيام بها، فيهدده بالعقاب، أو يسومه العذاب؛ ليكرهه على قبولها، ومنهم من يقبلها بعد التهديد البالغ، مثل: عيسى بن مسكين أحد الفقهاء بالقيروان، عرف الأمير إبراهيم بن أحمد بن الأغلب من زهده في المناصب أنه يأبى ولاية القضاء، فأحضره، وقال له: ما تقول في رجل جمع خلال الخير أردت أن أوليه القضاء، وألمّ به شعث هذه الأمة، فامتنع؟ قال له عيسى بن مسكين: يلزمه أن يلي، قال: تمنّع، قال: تجبره على ذلك بجلد، قال: قمْ فانت هو، قال: ما أنا بالذي وصفت، وتمنّع حتى أخذوا بمجامع ثيابه، وقرّبوا السيف من نحره، فتقدم لها بعد أمر خطير.

ولارتباط سعادة الأمة باستقامة القضاء، جاز للرئيس الأعلى - متى رأى في أهل العلم من هو أدرى بمسالكه، وأقدر على القيام بأعبائه - أن يكرهه على ولايته بالوسائل الكافية.

قيل للإمام مالك: هل يجبر الرجل على ولاية القضاء؟ قال: لا، إلا أن لا يوجد منه عوض، فيجبر عليه، قيل له: أيجبر بالضرب والسجن؟ قال: نعم.

وطلب ابن الأغلب أمير القيروان الإمام سحنون لولاية القضاء، فامتنع،