للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والإنصاف الذي قد تجمح عنه نفسك كثيراً أو قليلاً: أن تقول قولاً تظنّه صوابًا، أو تعمل عملاً تحسبه حسناً، فينقده آخر بميزان العلم الصحيح، ويريك أنك قد قلت خطأ، أو عملت سيئاً، ففي مثل هذا المقام قد تجد في نفسك كراهة للاعتراف بالخطأ في القول، أو الإساءة في العمل، فإن كنتَ على ذكر من فضيلة الإنصاف، وما تؤتيه من ثمار طيبة، لم تلبث أن تكظم هذه الكراهة، ولا تجد في نفسك حرجاً من أن تقول للناس: إني قد أخطأت في قولي، أو أسأت في عملي.

وتاريخ الإسلام مملوء بقصص الذين رجعوا عن آرائهم بعد محاورات أو مناظرات ظهر لهم منها أن الحق في جانب من دارت بينهم ويينه المحاورة أو المناظرة.

ومما يروى في هذا الصدد: أن مناظرة جرت بين الإمامين: مالك بن أنس، وأبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة في مقدار الصاع الذي تؤدى به زكاة الفطر، فقال مالك: هو خمسة أرطال وثلث، وكان أبو يوسف يذهب إلى أنها ثمانية أرطال، فاحتج عليه مالك بالصيعان الموجودة لذلك العهد عند أبناء المهاجرين والأنصار بالمدينة، فرجع الإمام أبو يوسف إلى ما قاله الإمام مالك.

لا يصعب على الرجل أن ينصف قريباً أو صديقاً، بل لا يصعب عليه أن ينصف من لا تربطه به قرابة أو صداقة، ولا تبعده منه عداوة.

والإنصاف الذي قد يحتاج فيه إلى مراوضة النفس كثيراً أو قليلاً: أن يبدي بعض أعدائه رأياً سديدًا، أو يناقشه في رأي مناقشة صائبة، فهذا موطن تذكير النفس بأدب الإنصاف، وإنذارها ما يترتب على العناد من إثم وفساد.