للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الإنصاف الذي يدل على الرسوخ في الفضيلة: أن يتحدث الرجل عن خصمه، فينسب إليه ما يعرفه له من فضل.

أنشد في مجلس الإمام علي بن أبي طالب قول الشاعر:

فتىً كان يدنيه الغِنى من صديقِهِ ... إذا ما هو اسْتَغْنى ويبعدُه الفَقْرُ

كأنّ الثُّرَيّا عُلِّقَتْ بجبييهِ ... وفي خدِّهِ الشَّعرى وفي الآخَرِ البَدْرُ

فلما سمعها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: هذا طلحة بن عبيد الله، وكان السيف ليلتئذ مجرداً بينهما.

يسهل على الرجل أن ينصف من هو أكبر منه سناً، أكثَر مما يسهل عليه أن ينصف قرينه؛ ذلك لأن أكبر عائق عن الإنصاف التحاسد، وحسد الإنسان لأقرانه أكبر وأشد من حسده للمتقدمين عليه في السن، وشمهل عليه أن ينصف أقرانه أكثر مما يسهل عليه أن ينصف من هو أحدث سناً منه، إذ يسبق إلى ظنه أن ظهور مزية لمن هو أحدث عهدًا منه قد تقتضي إلى أن يكون ذكره أرفع، وفضل القرين على بعض أقرانه شائع أكثر من فضل المتأخر على المتقدم، وشيوع الشيء يجعله أهون على النفس مما هو أقل شيوعاً منه.

فينبغي للإنسان أن يتيقظ للأحوال التي تتقوى فيها داعية العناد، ويعدّ للوقوف عند حدود الإنصاف، ومقاومة تلك الداعية ما استطاع من قوة.

ويقص علينا التاريخ: أن في الأساتذة من يحرص على أن يرتقي تلاميذه في العلم إلى الذروة، ولا يجد في نفسه حرجاً من أن يظهر عليه أحدُهم في بحث أو محاورة.

يذكرون: أن العلامة عبد الله الشريف التلمساني كان يحمل كلام الطلبة على أحسن وجوهه، ويبرزه في أحسن صورة، ويروى أن أبا عبد الله هذا كان