للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد تجاذب مع أستاذه أبي زيد بن الإمام الكلام في مسألة، وطال البحث اعتراضاً وجواباً حتى ظهر أبو عبد الله على أستاذه أبي زيد، فاعترف له الأستاذ بالإصابة، وأنشد مداعباً:

أُعَلِّمُه الرِّمايةَ كُلَّ يَوْمٍ ... فَلَمَّا اشْتَدَّ ساعِدُه رَماني

ومن نظر بروية إلى أن فضل العلم من جهة أنه وسيلة إلى إصلاح العمل وإسعاد البشر، وكان مع هذا النظر ناصحًا لأمته، وقف عند حد الإنصاف، ولم ينحرف عنه إجابةً لداعي الحسد، أو انسياقًا مع حب العلو في الأرض ولو بغير حق.

أخذ رجال بأدب الإسلام، فرسخوا في فضيلة الإنصاف على قدر صفاء سرائرهم، واحترامهم لأصول الدين وأحكامه؛ وقد مثّل الصحابة - رضي الله عنهم - الانصاف في أكمل صورة.

بدا لعمر بن الخطاب مرة أن يضع للمهور حداً، فخطب قائلاً: "لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، فمن زاد، ألقيت زيادته في بيت المال"، فقامت امرأة من صفّ النساء، فقالت: ما ذاك لك، قال: ولم؟ قالت: لأن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠]، فقال عمر: "امرأة أصابت، ورجلٌ أخطأ". ولو كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من أولئك الذين يألمون من أن ينسب إليهم نقص أكثر من ألمهم لتحريف آية عن موضعها، أو استبدال خاطر بشري بحكم إلهي، لما عدم وجهاً من أمثال تلك الوجوه التي يصورها المخادعون أو ضعفاء الإيمان تعصباً لآرائهم المخالفة للقرآن.

اختلف ابن عباس، وزيد بن حارثة - رضي الله عنهما - في مسألة من باب الحيض، فقرر