ابن عباس حكماً، وخالفه زيد، فرأى فيها رأياً آخر، فقال له ابن عباس: سَل نسيّاتك: أم سليمان وصويحباتها، فذهب زيد فسألهن، ثم جاء وهو يضحك، فقال لابن عباس: القول ما قلتَ. وموضع العبرة من هذه القصة: أن زيداً تمسك برأيه في مخالفة ابن عباس حتى استبان له أن الحق مع ابن عباس، فلم يجد في نفسه حرجًا من أن يرجع إليه ضاحكًا، ويقول له: القول ما قلت.
ويروى: أن الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - تكلم في مسألة، فقال له أحد الحاضرين: ليس الأمر كذلك يا أمير المؤمنين، ولكنه كذا وكذا، فقال عليّ: أصبتَ وأخطأتُ، وفوق كل ذي علم عليم. وعشاق الأخلاق الكريمة يجلون الإمام عليّاً لهذا الإنصاف إجلالهم له عندما يفتي فيصيب الحق، أو يعظ فينطق بالحكمة.
وقد اقتدى بالصحابة في هذا الخلق الكريم من جاء بعدهم من كبار العلماء، وهذا الإمام الشافعي - رضي الله عنه - يقول:"ما ناظرت أحداَّ عَلى الغلبة، ووددت إذا ناظرت أحداً أن يظهر الحق على يديه".
والراسخون في فضيلة الإنصاف لا يبالون أن يكون رجوعهم عن الخطأ أمام من خالفهم وحده، أو بمحضر جمع كبير لم يشعروا بالخلاف، ولا بخطأ المخطئ، أو إصابة المصيب. وها هو ذا التاريخ يحدثنا عن رجال من علماء الإسلام بلغوا هذه الغاية من الإنصاف.
قال عبد الرحمن بن مهدي: ذاكرت القاضي عبيد الله بن الحسين في حديث، وهو يومئذٍ قاض، فخالفني فيه، فدخلت عليه بعد، وعنده الناس سماطين (١)، فقال لي: ذلك الحديث كما قلتَ أنتَ، وأرجع أنا صاغراً.