وإذا ذكرنا العزم النافذ في خصال الشرف، فإنما نريد: الإقدام على الأمر بعد استبانة عاقبته، ولو على وجه الظن الغالب، وذلك ما يعنيه عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - في قوله:"ولكن الحرب لا يصلحها إلا الرجل المَكيث"، والمكيث: من لا يخف إلى الهجوم إلا بعد روية وتدبر.
ولا يعد في قلة العزم أن يستبين الرجل الحق أو المصلحة، ويقف دون عزمه مانع؛ كأن يعلم أن عقول الجمهور لا تتسع لقبوله، ويخشى الفتنة، فيرجئه ريثما يمهد له بما يجعله مقبولاً سائغاً.
قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه عمر: يا أبت! ما لك لا تنفذ الأمور؟ فو الله! لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور، فقال له عمر: لا تعجل يا بني، إن الله تعالى ذمّ الخمر مرتين، وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه، وتكون فتنة.
ولا يُعَدُّ في قلة العزم أن يرى الرجل رأياً، ويعقد النية على إنقاذه، ثم يبدو له على طريق الحجة أنه غير صالح، فينصرف عنه.
وقويُّ العزيمة هو الذي تكون إرادته تحت سلطان عقله، فيقبل بها على ما يراه صواباً، ويدبر بها عما يراه فساداً.
وإذا قال الشاعر مادحاً:
إذا همَّ ألقى بين عينيه عَزْمَهُ ... ونكَّبَ عن ذِكْرِ العواقِبِ جانِبا
فإنما يريد: الهمّ الناشئ عن رجاحة رأي. وقويُّ العزم متى بصر بالأمر، ووثق بأنه سداد، قطع نظره عن العواقب، ونهض له في قوة، أما ضعيف العزم، فإنه يترك نفسه مجالاً للخواطر وذكر العواقب، هذه تغريه على العمل، وهذه تصده عنه، حتى تفوت الفرصة، ويذهب وقت العمل ضائعاً.