للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يثْني حديثُ الوغى أعطافَهم طَرَباً ... كان ذِكْرَ المنايا بينَهم غَزَلُ

ومن ثقة الرجل بشجاعته: أن يقارع خصومه مجابهة، ويأنف أن يقارعهم على وجه المخاتلة، قال بعض مادحي سيف الدولة:

إذا حاول الأقرانُ في الرَّوعِ خَتْلَهُ ... أبرَّ عليهم مُقدِماً لا مُخاتِلا خَتْلَهُ

ويبالغ بعض الأبطال في عدم المبالاة بالموت، فيدخل مواقع القتال دون أن يقي بدنه بنحو درعِ أو مِغْفَرِ (١)، وهو قادر على وقايته؛ كما قال المعتمد بن عباد:

قد رمتُ يومَ نزالِهم ... أن لا تحصِّنَني الدروعُ

وبرزت ليس سوى القميـ ... ـصِ على الحشا شيءٌ دفوعُ

ويعدّون من تناهي القوم في الشجاعة: أن يدعوهم إلى الحرب داع، فينهضوا لها من غير أن يسألوا داعيهم عن وجهة الحرب، ولا عن الباعث عليها، قال وداك بن نمير المازني:

إذا استُنْجِدوا لم يَسْألوا من دَعاهُمُ ... لأيةِ حَرْبٍ أَمْ بأَيِّ مكانِ

وتعد هذه الطاعة البالغة من قبيل الشجاعة المحمودة، متى كانت إجابةً لدل عرفوه بصدق اللهجة، وحكمة الرأي.

وليس من لباب الشجاعة، ولا من قشورها: أن يسرع الرجل إلى مواقع الخطوب جاهلاً بما يلاقيه عندها من شدائد، حتى إذا شاهد طرفاً من أهوالها، أو وقعت عليه شرارة من نارها، لاذ بالفرار، ورجع إلى أهله بغير قلب.


(١) المغفر: زرد ينسج من الدروع قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.