للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ظنَّ ممن يلاقي الحروبَ ... بأنْ لا يُصابَ فقَدْ ظَنَّ عَجْزا

ولا ينقص من قدر الشجاع أن يقتل وهو يخوض في غمار الحروب.

قال أبو تمام في رثاء محمد بن حميد:

فتىً ماتَ بين الطَّعْنِ والضَّرْبِ ميتةً ... تقومُ مَقامَ النَّصْرِ إنْ فاتَه النَّصْرُ

ولا ينقص من قدره أن يثبت في موقف الدفاع حتى يقع في أسر. وقع هشام بن عبد العزيز قائد جيش السلطان محمد بن عبد الرحمن الأندلسي أسيراً في يد العدو، فاستقصره السلطان، ونسبه إلى الطيش، فاعتذر عنه الوليد بن عبد الرحمن بن غانم، ومما قال في الاعتذار عنه: إن هاشماً قد استعمل جهده، واستفرغ نصحه، وقضى حق الإقدام، حتى مُلك مقبلًا غير مدبر، مُبليًا غير فشل، فجوزي خيراً عن نفسه وسلطانه!.

والشأن فيمن يعيش في نعيم وزينة أن يكون أشد الناس كراهة للحروب، فإذا أنبتت بيئات الترف فتى يزدري النعيم والزينة، ويطمح بهمته إلى الشرف الصميم، كان فضله في الشجاعة أظهر، وإقدامه أدعى إلى الإعجاب به، ولذلك ترى الأدباء إذا أرادوا أن يجعلوا إعجابك بشجاعة الممدوح أبلغ، أشاروا إلى أن النعمة والزينة لا تذهب برجوليته، ولا تقعد به عن حماية الشرف والكرامة، قال الحطيئة:

إذا همَّ بالأعداءِ لم يَثْنِ عزمَهُ ... كعابٌ عليها لؤلؤٌ وشُنوفُ

حَصانٌ لها في البيتِ زيٌّ وبهجةٌ ... ومشيٌ كما تمشي القَطاةُ قَطوفُ

وقال كثير في عبد الملك بن مروان:

إذا ما أرادَ الغزوَ لم يثْنِ عَزْمَهُ ... حَصانٌ عليها نَظْمُ درٍّ يَزينُها