إليها الأمم، فلا يخلص إليه الطالب دون أن يقاسي شدائد، ويحتمل متاعب، ولا يستهين بالشدائد إلا كبير الهمة، ماضي العزيمة.
كان سعيد بن المسيب يسير الليالي في طلب الحديث الواحد.
ورحل أبو أيوب الأنصاري من المدينة إلى عقبة بن نافع وهو في مصر ليروي عنه حديثاً، فقدم مصر، ونزل عن راحلته، ولم يحل رحلها، فسمع منه الحديث، وركب راحلته، وقفل إلى المدينة راجعاً.
ولم ينتشر العلم في بلاد المغرب أو الأندلس إلا برجال رحلوا إلى الشرق، ولاقوا في رحلاتهم عناء ونصبأ، مثل: أسد بن الفرات، وأبي الوليد الباجي، وأبي بكر بن العربي.
يتجرع كبير الهمة مرارةً حين تقف بينه وبين جانب من العلم عقبة، فإذا وجد مرعى العلم خصبًا، فعناؤه فيما يدعونه: راحة، وانقباضه فيما يسمونه: لهوًا، وألمه في ساعة ينقطع فيها عن العلم يساوي ألم المستهتر في الشهوات حين يقضي يومه في غير شهوة.
وقد يحسب من لم تصفُ بصيرته حتى يرى الحكمة في أسنى مظاهرها أن الذي يقول:
سَهَرِي لتَنقيحِ العلومِ ألذُّ لي ... من وصْلِ غانية وطيبِ عِناقِ
إنما هو شاعر لا يبالي أن يفضل الشيء على ما هو أكمل في وجه الشبه وأقوى، ويبعد في نظره أن يبلغ ابتهاج النفس عند تحقيق بحث علمي مبلغ ابتهاجها بلقاء الغانيات، ولكن الذي يقدر الحكمة، يرى أن ناظم البيت لم يجد شيئاً يحاكي به اللذة التي يجدها عندما يطلق فكره وراء شوارد العلوم، فيظفر بها، فجاء إلى هذا الذي اشتهر بين الناس أنه لذيذ بالغ، ووصف لذة