الحكمة بأنها فوق لذته، فصاحب البيت لم يتجاوز في تصوير ارتياحه لتنقيح العلوم حد الحقيقة.
وأما نفوذ النظر في لباب المسائل، فلأن وقوف طالب العلم عند ظواهرها، واكتفاءه بالمقدار الذي يقصر به عن حسن بيانها، وإجادة العلم بها، لا يبعدان به عن منزلة خالي الذهن منها؛ فإنما وضعت العلوم لتهدي إلى العمل النافع، ولا شرف لها في نفسها، وإنما شرفها بما يترتب عليها من عمل صالح، أو كلم طيب، فمن يقضي زمناً في طلب علم، ثم ينفصل عنه وهو لا يستطيع أن يدفع عن أصوله شبهاً، أو يضرب له من العمل مثلاً، ذهب وقته ضائعاً، وبقي اسم الجهل عليه واقعاً.
فالفقيه بحق من تعرض لواقعة لم يفصل لها الشارع حكماً، ولم يتناولها السَّلَف باجتهاد، فيرجع إلى الأصول الثابتة، والقواعد المقررة، ويقتبس لها حكماً موافقاً.
ولا نكتفي ممن يدرس البلاغة أن يتصور قوانينها، ويعرف أمثلتها إلا أن يبصر بها كيف تسري في كتاب الله سريان الماء في الأزهار الناضرة، وحتى يستطيع أن يخطب أو يكتب على وفق ما درس من مناهجها الواضحة، وأساليبها الساحرة.
ولا يحق لنا أن نفتخر بفتيان درسوا الطبيعة والكيمياء، إلا أن يعودوا وفي قدرتهم أن يستقلوا بإدارة مصاح للدفاع، ومعامل لمرافق الحياة، فإنا نريد أن نعود كما كنا أساتذة في العلوم، نقلية أو عقلية، نظرية أو مادية.
ومما رمى الأفكار في خمول، ووقف بها حقبة عن الخوض في عباب العلوم إلى أمد بعيد، هذه المختصرات التي يقضي الطالب في فتح مغلقها،