وحل عقدها قطعة من حياته، جديرة بأن تصرف في اكتساب مسائل هي من صميم العلم، والملكات تقوى بالبحث في لباب العلم أكثر مما تقوى بالمناقشة في ألفاظ المؤلفين.
وممن نبه على أن الاختصار عائق عن التحقيق في العلم: أحد علماء القرن الثامن العلامة محمد المعروف (١) بالأيلي إذ قال: "كل أهل هذه المئة على حال من قبلهم من حفظ المختصرات، فاقتصروا على حفظ ما قلّ لفظه، ونزرَ حظُّه. وأفنوا أعمارهم في حل لغوزه، وفهم رموزه، ولم يصلوا إلى ردّما فيه إلى أصوله بالتصحيح، فضلاً عن معرفة الضعيف والصحيح".
فمن أسباب الرسوخ في العلم، وطموح الهمم إلى التوسع في البحث، وعدم الرضا بما دون الذروة: قراعة الكتب التي تنسج على طريقة الاستدلال والغوص على أسرار المسائل، وهي طريقة المتقدمين من علمائنا.
وأما بسط النظر في علوم متعددة، فلارتباط العلوم بعضها ببعض، وكلما كان الاطلاع على العلوم أوسع، كان البحث في المسائل أجود، والخطأ في تقريرها أقل، والاحتجاج عليها أسلم، فلا يجيد دراسة التفسير أو الحديث من لم يكن ضليعاً في العربية، ولا يحكم الاستدلال على العقائد، ويدفع ما يحوم عليها من شُبه، إلا من كان عارفاً بالتفسير والحديث، والقوانين المنطقية، والمذاهب والآراء الفلسفية، ولا يقوم على دراسة الفقه أو أصوله من لم يملأ يده من الحديث والتفسير والعلوم العربية.
واطّلاع الرجل على علوم كثيرة يعرف موضوع بحثها، ويقف على جانب عظيم من مبادئها، لا يمنعه من الإقبال على علم يجعل له من الدرس والمطالعة