الإسلام؛ ليألفوه، وإشعارَهم بأنهم يعيشون تحت راية تلك الدولة عيش المستعبدين؛ ليجني من وراء هذا سقوط مكانتها من أنفسهم، فلا يدافعوا عنها من صميم أفئدتهم.
لا يستغني رؤساء الشعوب عن الدهاء في السياسة، وأشدُّهم حاجة إلى تدابيره الغامضة: رئيسٌ قبض على زمام طوائف اختلفت أهواؤهم سبلاً، وتفرقت آراؤهم مذاهب، فإذا رأينا السياسة في عهد أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - تسير على مناهج من العدل واضحة، فلأن الرئيس عادل، ومعظم الأمة على سبيل من الهداية لا تختلف.
وما استقام الأمر لمعاوية - مع ما خالط الأمة يومئذ من التفرق في الآراء - إلا لأنه كان يسلك في السياسة مسالك خفية، ويركب لها من الطرق الوعرة ما لم يركبه الخلفاء من قبله، ومعاوية هو الذي يقول:"لو أن بيني ويين الناس شعرة، ما انقطعت"، فقيل له: وكيف ذلك؟ فقال:"كنت إذا مدّوها، أرخيتها، وإذا أرخوها، مددتها".
ومن أساليب الدهاة في إضعاف الجماعة التي تناوئ سلطانهم: أن يغروا بين كبرائها العداوة، فتنفصم رابطتهم، وتشتد الخصومة فيما بينهم، وهو مسلك قد يضطر إليه المصلحون في تفريق الجماعة التي تتحالف على ما لا خير منه، ومن هذا القبيل ما فعله نعيم بن مسعود - رضي الله عنه - حين تحالفت قريش وغطفان وبنو قريظة على حرب النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في واقعة الأحزاب؛ إذ ألقى بينهم ما تقطع به حبل اجتماعهم على الباطل، فانصرفوا خائبين.
وقد يعمل الطامع في الأمة على هذا المسلك؛ حذراً من أن يتنبه شعورها، فتجمع أمرها، وتوجه إليه قوتها، فمن واجب الأمة التي يربطها دين، أو مصالح