ضعف الشرق:"الثانية: عدم التفريق بنظام قاض بين السلطتين الدينية والدنيوية، فكان هذا من جملة المسببات لتأخر المسلمين؛ إذ أن جمع السلطتين في شخص واحد، بدون تحديد لهما، كان من أبعد (١) الأمور إلى اختلاف النظام، وإذا كان هذا أفاد المسلمين في صدر التاريخ الإسلامي، وأمر العالم لهم كما قدمنا، إلا أنه كان بلاء بعد انقسام المسلمين إلى ممالك وفرق، وشيع ومذاهب وأحزاب، ووجود دول أخرى تنازعهم السيادة على العالم، وقد عاد اجتماع هاتين السلطتين بلاء عليهم إذ أصبحت الرياسة الدينية والدنيوية في الواقع في قبضة تلك الدول التي نازعتهم كما هو مشاهد الآن".
نعرف من قبل أن يظهر هذا المقال: أن الذين يدعون إلى فصل الدين عن السياسة فريقان:
فريق يعترفون بأن للدين أحكاماً وأصولاً تتصل بالقضاء والسياسة، ولكنهم يفكرون أن تكون هذه الأحكام والأصول كافلة بالمصالح، آخذة بالسياسة إلى أحسن العواقب، ولم يبال هؤلاء أن يجهروا بالطعن في أحكام الدين وأصوله، وقبلوا أن يسميهم المسلمون: ملاحدة؛ لأنهم مقرّون بأنهم لا يؤمنون بالقرآن، ولا بمن نزل عليه القرآن.
ورأى فريق: أن الاعتراف بأن في الدين أصولاً قضائية وأخرى سياسية، ثم الطعن في صلاحها، إيذانٌ بالانفصال عن الدين، وإذا دعا المنفصل عن الدين إلى فصل الدين عن السياسة، كان قصده مفضوحاً، وسعيه خائباً، فاخترع هؤلاء طريقا حسبوه أقرب إلى نجاحهم، وهو أن يدّعوا أن الإسلام