توحيد وعبادات، ويجحدوا أن يكون في حقائقه ما له مدخل في القضاء والسياسة، وجمعوا على هذا ما استطاعوا من الشبه؛ لعلهم يجدون في الناس جهالة أو غباوة، فيتم لهم ما بيتوا.
هذان مسلكان لمن ينادي بفصل الدين عن السياسة، وكلاهما يبغي من أصحاب السلطان أن يضعوا للأمة الإسلامية قوانين تناقض شريعتها، ويسلكوا بها مذاهب لا توافق ما ارتضاه الله في إصلاحها، وكلا المسلكين وليد الافتتان بسياسة الشهوات، وقصور النظر عما لشريعة الإسلام من حكم بالغات.
أما أن الإسلام قد جاء بأحكام وأصول قضائية، ووضع في فم السياسة لجاماً من الحكمة، فإنما ينكره من تجاهل القرآن والسنّة، ولم يحفل بسيرة الخلفاء الراشدين؛ إذ كانوا يزنون الحوادث بقسطاس الشريعة، ويرجعون عند الاختلاف إلى كتاب الله، أو سنّة رسول الله.
في القرآن شواهد كثيرة على أن دعوته تدخل في المعاملات المدنية، وتتولى إرشاد السلطة السياسية، قال تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة: ٥٠]، وكل حكم يخالف شرع الله، فهو من فصيلة أحكام الجاهلية، وفي قوله تعالى:{لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} إيماء إلى أن غير الموقنين قد ينازعون في حسن أحكام ربّ البرية، وتهوى أنفسهم تبدُّلها بمثل أحكام الجاهلية، ذلك لأنهم في غطاء من تقليد قوم كبروا في أعينهم، ولم يستطيعوا أن يميزوا سيئاتهم من حسناتهم، وقال تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[المائدة: ٤٩]، فرض في هذه الآية أن يكون فصل القضايا على مقتضى كتاب الله، ونبّه على أن من