لم يدخل الإيمان في قلوبهم يبتغون من الحاكم أن يخلق أحكامه من طينة ما يوافق أهواءهم، وأردف هذا بتحذير الحاكم من أن يفتنه أسرى الشهوات عن بعض ما أنزل الله، وفتنتهم له في أن يسمع لقولهم، ويضع مكان حكم الله حكماً يلائم بغيتهم، قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة: ٤٥]، وفي آية:{فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[المائدة: ٤٧]، وفي آية ثالثة:{فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤].
وفي القرآن أحكام كثيرة ليست من التوحيد، ولا من العبادات؛ كأحكام البيع والربا، والرهن والدَّين والإشهاد، وأحكام النكاح والطلاق واللعان والولاء والظهار، والحجْر على الأيتام، والوصايا والمواريث، وأحكام القصاص والديّة، وقطع يد السارق، وجلد الزاني وقاذف المحصنات، وجزاء الساعي في الأرض فساداً، بل في القرآن آيات حربية فيها ما يرشد إلى وسائل الانتصار؛ كقوله مرشداً إلى القوة المادية:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال: ٦٠]، وقوله تعالى مرشداً إلى القوة المعنوية:{وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}[التوبة: ١٢٣]، وقوله تعالى منبهاً على خطة هي من أنفع الخطط الحربية:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}[التوبة: ١٢٣]، والكفار هنا المحاربون، ففي الآية إرشاد إلى أن يكون ما بينهم ويين ديارهم أمنًا، ولا يدعوا من ورائهم من يخشون منه أن ينهض إلى أموالهم وأهليهم من بعدهم، أو يجلب عليهم بخيله ورجله ليطعن في ظهورهم، وقد أقبلوا على العدو الذي تجاوزوا إليه بوجوههم.
وفي الآيات الحربية ما يتعلق بالصلح؛ كقوله تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}[الأنفال: ٦١]، وقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ