صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩]، وفيها ما يتعلق بالمعاهدات؛ كقوله:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنفال: ٥٨].
وفي السنّة الصحيحة أحكام مفصلة في أبواب من المعاملات والجنايات إلى نحو هذا مما يدلك على أن من يدعو إلى فصل الدين عن السياسة، إنما تصور ديناً آخر، وسمّاه: الإسلام.
وفي سيرة أصحاب رسول الله وهم أعلم الناس بمقاصد الشريعة - ما يدل دلالة قاطعة على أن للدين سلطانًا على السياسة؛ فإنهم كانوا يأخذون على الخليفة عند مبايعته شرط العمل بكتاب الله، وسنّة رسول الله.
ولولا علمهم بأن السياسة لا تنفصل عن الدين، لبايعوه على أن يسوسهم بما يراه، أو يراه مجلس شوراه مصلحة، وفي "صحيح البخاري": "كانت الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة؛ ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح الكتاب أو السنّة، لم يتعدوه إلى غيره؛ اقتداء بالنَّبي - صلى الله عليه وسلم -".
من شواهد هذا: محاورة أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب في قتال مانعي الزكاة؛ فإنها كانت تدور على التفقه في حديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله"، فعمر بن الخطاب يستدل على عدم قتالهم بقوله في الحديث:"فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم"، وأبو بكر الصديق يحتج بقوله في الحديث:"إلا بحقها"، ويقول: الزكاة من حق الأموال.
ولو لم يكونوا على يقين من أن السياسة لا يسوغ لها أن تخطو خطوة إلا أن يأذن لها الدين بأن تخطوها، ما أورد عمر بن الخطاب هذا الحديث، أو لوجد أبو بكر عندما احتج عمر بالحديث فسحة في أن يقول له: ذلك