للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث رسول الله، وقتال مانعي الزكاة من شؤون السياسة.

ومن شواهد أن ربط السياسة بالدين أمر عرفه خاصة الصحابة وعامتهم: قصة عمر بن الخطاب إذ بدا له أن يضع لمهور النساء حداً، فتلت عليه امرأة قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: ٢٠]، فما زاد على أن قال: رجل أخطأ، وامرأة أصابت، ونبذ رأيه وراء ظهره، ولم يقل لها: ذلك دين، وهذه سياسة.

وكتبُ السنّة والآثار مملوءة بأمثال هذه الشواهد، ولم يوجد - حتى في الأمراء المعروفين بالفجور - من حاول أن يمس اتصال السياسة بالدين من الوجهة العلمية، وإن جروا في كثير من تصرفاتهم على غير ما يأذن به الله، جهالة منهم أو طغياناً.

وأراد الحجّاج أن يأخذ رجلاً بجريمة بعض أقاربه، فذكّره الرجل بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]، فتركه، ولم يخطر على باله وهو ذلك الطاغية أن يقول له: ما تلوته دين، وما سأفعله سياسة.

وأما قيام أحكام الشريعة على أساس العدل، ورسمها للسياسة خططاً محكمة الوضع، فسيحة ما بين الجوانب، فذلك ما لا أستطيع تفصيل الحديث عنه في هذا المقال، وفيما كتبناه ونكتبه -إن شاء الله- تحت عنوان: "الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان" (١) ما يساعد عل الإلمام بأصول الشريعة، ومعرفة اتساعها لكل ما يحدث من الوقائع، والذي نقوله في هذا المقام: إن السياسة لا تجد في الدين ما يقف دون مصلحة، ولا تجد منه ما يحمل على إتيان مفسدة، لا تجد فيه هذا ولا ذاك متى وزنت المصالح والمفاسد


(١) كتاب للإمام مطبوع.