بميزان العقل الراجح، وكان القابضون على زمامها من حصافة الرأي في منعة من أن يطيش بهم التقليد، أو إرضاء طائفة خاصة إلى أن يروا الفساد صلاحاً، فيشرعوه، أو يروا الصلاح في لون الفساد، فينصرفوا عنه، وليس من شأن الدين أن يراعي فيما يشرع الأهواء الجامحة، وإن كانت أهواء الملأ الذين استكبروا، أو أهواء من في الأرض جميعاً.
والرؤساء الذين لم يحافظوا في سياسة شعوبهم الإسلامية على أحكام الشريعة وآدابها، فوضعوا لهم قوانين جائرة، وأذنوا بمظاهر غير صالحة، إنما أتوا من ناحية جهلهم بسماحة شرع الإسلام، وسعة قواعده وسمو مقاصده، وإذا كان على غير الرؤساء تبعة، فعلى أولي الحل والعقد من فضلاء الأمة وعلمائها إذا أهملوا علاجهم، ولم يبذلوا في دعوتهم إلى الاستقامة جهدهم.
أما الأحداث وأشباه الأحداث الذين لا يهدأ لهم بال ما داموا يسمعون اسم الدين يجري في لسان بعض الدول باحترام، فإن من نشأ في غير جد، وأسرف في حب اللهو، لا يألف شريعة تأمر بالعدل، وتضع دون الأهواء الجامحة حاجزًا، فلا عجيب أن يتآمروا بها، ويشيروا على السياسة بأن تبتعد منها، وإذا بلغ هؤلاء مأريهم في سياسة وقع زمامها في يد زائغ عن سبيل الرشد، فستذهب آمالهم خائبة في كل قطر يسوسه رئيس يقدر الإسلام قدره، ويجد من حوله علماء درسوا الشريعة بنباهة، ولا يخفى عليهم قصد من يتغنون بمدح الإسلام، وقبل أن تستريح حناجرهم يطعنونه في الصميم.
يقول الكاتب:"إن جمع السلطتين في شخص واحد بدون تحديد لهما كان من أدعى الأمور إلى اختلال النظام".
ليس في الإسلام سلطة دينية إلا على معنى أن الأمير ينفذ أحكام الشريعة