للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب أن تلك الدول إذا وجدت السياسة في يد، والدين في يد أخرى، سلبت ما في اليد الأولى من سياسة، وتركت اليد الأخرى تعمل في حدود سلطتها بحرية؟!.

ويقول الكاتب: "وإذا كان هذا أفاد المسلمين في صدر التاريخ الإسلامي، وأمر العالم لهم كما قدمنا، إلا أنه كان بلاء بعد انقسام المسلمين إلى ممالك وفرق، وشيع ومذاهب وأحزاب، ووجود دول أخرى تنازعهم السيادة على العالم".

قد عرفتَ أن الأمير ليس عنده في الواقع سوى سلطة واحدة هي: تدبير شؤون الأمة على مقتضى القوانين الشرعية، والنظم التي لا تخالف شيئاً من أصولها، فتجريد الأمير من السلطة الدينية هو عزل له عن الإمارة في نظر المسلمين، فالمسلمون لا يستطيعون أن يتصوروا أميراً مجرداً عن السلطة الدينية، فضلاً عن أن يجردوه منها بالفعل، ويرضوا بعد تجريده منها بالاستماع إليه، والطاعة له. ولم تكن السلطة الدينية بيد الأمراء في يوم من الأيام بلاء على المسلمين، وإنما بلاء المسلمين في عدم قيام بعض أمرائهم بما توجبه هذه السلطة من نحو العدل والشورى والمساواة، وإعداد القوة لتقرير الأمن وكفّ العدو الذي يبسط إليهم يده بالسوء.

قال صاحب المقال: "فكل مملكة احتضنت مذهباً في العقائد والفروع لتبقى وحدها منفصلة عن الممالك الأخرى، فبعد الانقسام أصبح كل أمير إمامًا دينيًا، وحاكمًا سياسيًا لقطره، فكانت النتيجة من هذا الجمع الإخلال بالنظام العام، وزالت الوحدة المقصودة من روح التشريع الإسلامي، فتعددت الخلافة، واختلت أحكامها، بعكس الأمم الأخرى التي تنبهت إلى حكمة الفصل