يصبغوا هذا المقدار من بعد بأي صبغة أرادوا، فيذهب الإسلام، فلا القرآن نزل، ولا محمد - صلى الله عليه وسلم - بعث، ولا الخلفاء الراشدون جاهدوا في الله حق جهاده، ولا الراسخون في العلم سهروا في تعرف الأصول من مواردها، وانتزاع الأحكام من أصولها.
يضرب الكاتب المثل بالأمم الأخرى، ويزعم أن فصلها الدين عن السياسة كان مصدر فائدة الأمة، وحمايتها من التلاشي والانهيار، ومن أجل فصلها الدين عن السياسة، ووجود الرياسة الدينية قائمة في حدود سلطتها، لم يضرها اختلاف الدول فيها.
وضربُ المثل على هذا الوجه أثرُ نظرة متسرعة؛ إذ ليس للرياسة الدينية في الإسلام حد تنتهي إليه، ثم يكون للأفراد أو الجماعات أن تفعل بعده ما تشاء، ولو كان في دين تلك الدول قوانين مدنية، ونظم سياسية، وقامت كل دولة على تنفيذ تلك القوانين والنظم داخل حدودها، أفيكون مجرد رعايتها لما جاء به دينها سبباً لانتشارمرض التقاطع بينها؟!.
ليس في طبيعة ربط السياسة بالدين التقهقر والتنازع إلا أن يكون في تعاليم الدين ما يسير بالناس إلى وراء، أو ما يغري بينهم العداوة والبغضاء، وليس في دين الإسلام إلا ما يصعد بالأمم متى شاءت الصعود إلى السماء، وليس فيه إلا ما يدعو إلى الائتلاف والتعاون على أن تكون كلمة الحق هي العليا.
قال صاحب المقال: "ولنضرب لذلك مثلاً: وحدة الكنيسة الكاثوليكية؛ فإنها على الرغم من اختلاف الدول الكاثوليكية بقيت لها زعامتها وشعورها بقوة فكرتها، وقد رأينا أثرها في الحروب الصليبية المستمرة، بل وفي كل