يذكر ابن خلدون: أن العلة في هذا التقليد إمّا ما وقر في صدر الأمة من تعظيم الغالب، وإما ما تغالط به من أن غلب الغالب ليس بعصبية، ولا قوة بأس، وإنما هو بما انتحله من المذاهب والعوائد، وكلتا العلتين إنما تتفشى في الأمة الملقى حبلُها على عاتقها، تمشي على غير بصيرة، ولا تقصد إلى غاية نبيلة. فإذا قيض الله للأمة المغلوبة رجالاً يعالجون ما عساه أن يطغى في صدرها من تعظيم شأن الغالب، أو يوقظونها إلى ما تغالط به من أن غلب الغالب بما انتحله من المذاهب والعوائد، أنقذوها من عماية التقليد الذي تتجرد به من الآداب الدينية، والمميزات القومية. والناشئ الذي يدرس تاريخ الإِسلام، وما كان لرجاله من مجد شامخ، وسلطان كريم، لا يكبر في عينه سلطان الغالب إلى أن ينحدر في التشبه به في كل حال.
يذكر الكتّاب والخطباء تقليد المسلمين للأجانب، ومنهم المسرفون في الدعوة إلى التقليد، ومنهم الراشد.
وإليك كلمة تعرض عليك الرأي الذي يقف عند حدود الدين، ويرعى حق القومية، ويقدر المصالح، ويحرص على أن لا يفوت الأمة منها مثقال ذرة.
* محاكاة المسلمين للأجانب تظهر في خمسة وجوه:
أحدها: محاكاتهم فيما يشتمل على مصلحة دنيوية، ولا يخالف حكماً شرعياً، أو أدباً دينياً، وهذا مما تأذن الشريعة في الأخذ به، ويتأكد العمل به على قدر ما فيه من مصلحة، وليس من المعقول أن تنهى الشريعة عما فيه خير لمجرد أن قوماً من غير المسلمين سبقوا إليه. ويدخل في هذا: مجاراتهم في العلوم والصنائع، ووسائل الدفاع، والمرافق التي يخف بها جانب عظيم من عناء