باللبنة المرصوفة في الجدار تمسك لبنة، وتمسكها لبنة، وما مثله إلا لبنة تخرج عن الصف المستقيم في البناء، ولا يزال اتصالها بالبناء يضعف حتى تهوي ساقطة إلى الأرض.
دعا الإِسلام إلى الاجتماع، وشرع للاجتماع أحكاماً عادلة، وآداباً فاضلة؛ كالحثّ على القرض، والمهاداة، وقضاء الحاجات، والإحسان لأولي القربى، واليتامى والمساكين وابن السبيل، وتحريم الربا والميسر، ووضع عقوبات للاعتداء على الأنفس والأموال والأعراض، إلى ما يشاكل هذا من الأحكام القضائية والنظم السياسية، والآداب التي تحمي الاجتماع من كل نقيصة، وتجعله مصدر خير وسعادة.
فشريعة الإِسلام مشرَّبة روح الاجتماع، ومن ثم ترى علماءها يخوضون في المجامع يقولون طيباً، ويعملون صالحاً، وهذا عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقول:"خالط الناس ودينك لا تكْلمنّه". وإذا نُقل عن بعض من عرفوا بالتدبر في القرآن والسنّة آثار تدل على إيثارهم العزلة على الاجتماع، فإنما هي حال خاصة تعرض للشخص، فتجعل الاعتزال في رأيه أرجح من الاجتماع، ولا يصح حملها على أنهم يقصدون إلى جعل العزلة مذهباً يسع كل الناس.
وانظر إلى ما يحكى عن الإمام مالك من أنه كان يشهد الجنائز، ويعطي الإخوان حقوقهم، ثم ترك ذلك في آخر حياته، وإنما ترك مالك هذا النوع من الاجتماع لحالة خاصة عرضت له؛ ويدلّك على أنه رأى العذر في ترك تلك الحقوق قائماً، وقوله حين سئل عن ذلك: لا يتهيأ للمرء أن يخبر بكل عذر له. فانظر كيف جعل العزلة من الشؤون التي لا يجنح لها الإنسان إلا لعذر، ولكنه كره ذكر العذر الذي حمله عليها؛ وإذا ثبتت استقامة رجل كالإمام