مالك، وعرف بالمحافظة على آداب الشريعة، ثم روي عنه ترك شيء من هذه الآداب الثابتة، حمل تركه لها على قيام عذر، ولا يكون هذا الترك موضعًا للاقتداء، وكيف يرى مالك للرجل - ولا سيما العالم - أن يخلد إلى العزلة، وهو الذي يقول:"حق على كل مسلم أو رجل جعل الله في صدره شيئاً من العلم أن يدخل على كل ذي سلطان، يأمره الخير، وينهاه عن الشر، حتى يتبين دخول العالم على غيره".
في الاجتماع مزايا دينية ومدنية لا يدركها المعتزلون، فالمعتزل للناس يفوته العلم إن كان في حاجة إلى أن يتعلم، ويفوته فضل التعليم إن كان فيه كفاية لأن يعلّم غيره من الجاهلين، والمعتزل يفوته ما يقف عليه المشاهد لأحوال الناس من التجارب التي يبلغ بها العقل أشده، ويفوته كسب المال أو نماؤه، والمال وسيلة العفاف وصيانة ماء الوجه، وهو المرقاة التي تصل بها الأمة إلى قمة المنعة والعزة والسيادة.
وفي الاجتماع لذة روحية هي: الاستئناس لمحادثات المصطفين من العلماء والأدباء، وإلى هذا الاستئناس يشير القائل:
وما بقيتْ من اللّذاتِ إلّا ... مجالسةُ الأديبِ إلى الأديبِ
ثم إن معظم خصال الشرف والحمد التي يفضل بها الإنسان على سائر الحيوان، إنما تبلغ كمالها، ويعظم أثرها فيمن سيرته الاجتماع.
فسيرة الاجتماع هي التي يتجلى فيها خلق السخاء؛ إذ يشهد صاحبها حاجات الأفراد أو الجماعة، فتثور في نفسه الشفقة أو الإشفاق، فيبسط يده إلى سدها جهد المستطاع.
وسيرة الاجتماع هي التي يظهر بها خلق الحلم والأناة؛ حيث يصادف