صاحبها طبقات من غير أولي الكياسة، فيقابل خشونة ألسنتهم باللين، وغلظة قلوبهم بالرفق.
وسيرة الاجتماع هي التي يستبين بها فضل الشجاعة الأدبية، وهي خلق يهوّن عليك أن تقول للمخطئ: إن الصواب في غير ما نطقت، أو تقول للمبطل: إن الحق في غير ما رأيت، أو تقول للمفسد: إن الخير في غير ما أتيت.
وسيرة الاجتماع هي التي يتبين بها الناس كيف تحدِّث فتصدُق، أو كيف تعِدُ فلا تخلف، أو كيف تؤتمن فلا تخون.
قد يخطر بالبال أن في العزلة تخلصاً من نحو القدح في الأعراض، والسعي بالنميمة، والتنابز بالألقاب، ومسارقة الطبع من الأخلاق الرديئة، والواقع أن الذي يعلم عاقبة وزر الغيبة والنميمة وما يشاكلها من الأوزار التي قد يسوق إليها الاجتماع، يجد في نفسه زاجراً عن ارتكاب شيء منها، وفي يده أن يسدي النصيحة لمن يحوم بها، أو يلوث صحيفته بلطخ من أقذارها، فإن لم يجد للنصيحة في مجلس سامعًا، تركه إلى مجلس أبعد من اللغو، وأبرأ من الإثم، وأما مسارقة الطبع، فمن الاجتماع ما يقتبس منه الطبع آداباً سامية. ومن الاجتماع ما يمكنك أن تفيض عليه من حكمتك نوراً، ومن إرشادك ماء طهوراً، فينقلب ليله صبحاً، ورجسه طهراً.
ومن ذا يرضى لك وأنت سليم القلب، نقى العرض، أن تتردد على مجامع بضاعتها أقوال لا خير في سماعها، أو تكثر من لقاء وجوه لا يغبطك أهل الفضل على لقائها، ومن ذا يجهل أن الوقت ذهبٌ، فيزيِّن لك أن تبذلة في غير حق، أو تشتري به ما ليس بحمد؟.