ولم ينقطع أثر ذلك التأويل الخاطئ، فظلَّ في أوهام بعض العامة إلى هذا العهد، حتى إذا أمرتَ أحد هؤلاء بمعروف، أو نهيته عن منكر، ألقى عليك الآية؛ كالمستشهد بها على أنك تخطيت حدَّك، ورميت بكلامك في فضول. ومنهم من يتلوها على قصد الاعتذار، وتبرئة جانبه من اللائمة متى شهد منكراً، ولم يغيره بيده أو لسانه أو قلبه الذي من أمارات تغييره البعد عن مكان الواقعة المنكرة.
ومعنى الآية الذي تطابق به غيرها من الآيات الآمرة بالدعوة: أنكم إذا استقمتم كما أُمرتم، وقضيتم الواجبات التي من جملتها: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكرة فلا يضرّكم من اشتدَّ به هواه، وتطوَّح به في واد من الغواية.
ولا تُقدَّر الدعوة الواجبة بعدد، أو تضبط بقدر من الزمن إذا قضاه الداعي برئ من عهدتها، وإنما يُرجع في إبلاغها واستئنافها مرة أخرى إلى اجتهاد الداعي، ورجائه تأثيرَها، وأخذها في نفوس المدعوّين مأخذ القبول.
وإذا دعا العالم طائفةً إلى إصلاح شأن من شؤونهم، فعتوا عن أمره، واستكبروا عن إجابته، حتى أيس من إقبالهم على نصيحته، واستيقن عدم الفائدة من تذكيرهم، خلصت ذمته، ولا جناح عليه أن يقف عند هذه الغاية. وحمل بعض المفسرين مفهوم الشرط في قوله تعالى:{فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى}[الأعلى: ٩] على مثل هذا الحال، وبيان هذا التاويل: أنك إذا قمت بذكرى قوم على الوجه الأكمل، ولم ينتفعوا بالذكرى، وتمادوا على غوايتهم، فقد قضيت حق الدعوة، ولا عليك في أن تصرف عنهم نظرك، وتدعهم إلى أيام الله.
ولا يقطع الداعي بعدم نفع الذكرى، وضياعها كصيحة في فلاة، إلا