وعدم التعرض للسلطان بأمر أو نهي. ويصح أن يقال: إن هؤلاء قد أخذوا بالرخصة، وليس لهم من قوة الصبر على الأذى ما يحملهم على أن يأخذوا بالعزيمة، ويجاهروا بالدعوة إلى حق أو إصلاح.
وإذا جاز للعالم أن يسكت عن الأمر أو النهي اتقاء لأذى لا طاقة له به، فليس له أن يكتم الحق بمجرد الخوف من أن يجفوه السلطان، أو يبعده من مجلسه، أو يحرمه من ولاية منصب.
ثانيهم: عالم يذهب مذهب العزلة والبعد من ساحات الأمراء؛ حتى لا يقف بين يدي ذي نخوة وتعاظم، ومن هؤلاء من يقول:
فلزمنا البيوت نستخرج العلـ ... ـم ونملا به بطونَ الطروس
وملاقاة النخوة والتعاظم ليست عذراً يبيح للعالم القعود عن إسماع الأمراء النصيحة، فقد دخل موسى - عليه السلام - على فرعون ليدعوه إلى الحق، وكان فرعون متكبّراً جبّاراً.
وقد يبتعد العالم عن الأمراء الذين لا يعنون بتنقية ساحتهم من أقذاء المنكرات؛ كراهة أن يشاهد منكراً، وقد يكون هذا الابتعاد حكمة متى عرف العالم أنه لا يستطيع النصح بإزالة ذلك المنكر، وأنه لا يجتني من رؤيته إلا حسرة وأسفاً.
وقد يكون الاقتراب خيراً من الابتعاد، متى قصد بالاقتراب إيصال النصيحة إليهم، عسى أن تجد أذناً واعية، أو نفساً زاكية، وكان أبو الحسن الأشعري يقصد إلى مجالس المعتزلة ليناظرهم، ويقول: هم أولو رياسة، منهم الوالي والقاضي، ولرياستهم لا ينزلون إليّ، فإذا لم أسر إليهم، فكيف