ثالثهم: عالم يتردد على ساحة الأمراء، ويميل مع أهوائهم، وربما بلغ به الإغراق في ابتغاء مرضاتهم: أن يحرف أحكام الله عن مواضعها، ومثل هذا الصنف من العلماء لا يرجى منهم أن يبسطوا ألسنتهم إلى السلطان بنصيحة.
ولهذا الصنف جنايات على الدين، وعلى الأمة، وعلى الأمراء نفسهم.
أما جنايتهم على الدين، فلأنهم يختلقون أحكاما يلصقونها بالدين، وليست من الدين.
وأما جنايتهم على الأمة، فلأنهم يسهلون على الولاة السير بالسياسة في طريقة عمياء.
وأما جنايتهم على الأمراء أنفسهم، فلأن الأمة إنما تفتح صدورها لمحبة أمرائها، وتبذل لهم حسن الطاعة من جميع أفئدتها، متى ساروا في رشد، وساسوا الناس بقوانين العدل.
ونحن نعلم أن العصور تتغير، وأن مقتضياتها تختلف، ولكن الحق هو الحق، والكرامة هي الكرامة، فلا يأتي عصر يفقد فيه الحق جلاله، ولا يأتي عصر يبيح للعالم أن يداهن السلطان، ولا أن يغمض عن شيء من كرامته، وإنما هي التربية الدينية الصحيحة تُري العالم وجه الحق مشرقاً، فلا يرضى إلا أن يحميه بيده، أو لسانه، وتريه منزلته شامخة الذرى، فيابى أن ينزل عنها، ولو وضعت الشمس في يمينه، والقمر في يساره.
يحدثنا التاريخ القديم: أن بعض المنتمين إلى العلم كانوا يتملقون أولي الأمر من المسلمين، وقد يفتونهم بغير ما أنزل الله، ويحدثنا التاريخ غير القديم: أن من المنتمين إلى العلم من يتملق بعض المخالفين الغاصبين، ويرضى أن