أثر، فإن التربية غير الدينية قد تضعف أمام كثير من الأهواء الطاغية، فلا تستطيع كبح جماحها، أما التربية الدينية فلديها من المتانة ما يطارد هذه الأهواء، وليس الذي يؤمن بأنه سيقف بين يدي علاّم الغيوب، ويحاسبه على ما يرتكبه من جنايات، ويجازيه عليه جزاء العادل الحكيم، مثل الذي لا يعرف زاجراً عن الجناية سوى أنها موضع لوم من يطلعون عليها، أو عقوبة من ترفع إليهم قضيتها.
ومما يعد في وسائل انتظام الأمن العام: براعة الرجال الذين يتولون استنطاق مرتكبي الجرائم، فمتى عرف المجرمون أن الذي يتولى استكشاف الجنايات قد رزق ألمعية تصل به إلى معرفة مرتكب الجريمة ولو بالغ في إخفائها ما شاء، أدركتهم الرهبة، وأحجموا عن الأِجرام؛ مخافة أن ينكشف أمرهم، ويقعوا في عقوبة لا يطيقونها.
وتتصل بوسيلة براعة المتصدين للبحث عن الجنايات وسيلة أخرى، هي: اختيار العيون؛ أي: المخبرين من الرجال النبهاء الأمناء، حتى يصلوا بنباهتهم إلى ما يقع في الخفاء من أعمال الفساد، ويبلغوا ما يطلعون عليه إلى ولي الأمر بصدق وأمانة، وكان أحمد بن طولون يوجه في ملأ من الناس تهمة جناية على بعض الأشخاص، ويبعث بهم إلى السجن على أنهم من أرباب الجرائم، حتى يتصلوا بالمسجونين، ويتعرفوا منهم أسراراً كانوا قد أصروا على كتمانها من قبل، ثم يأذن بإخراجهم؛ ليبلغوه ما أفضى به إليهم المسجونون من أنباء الجنايات الخفية.
وينتظم الأمن العام بالقضاء العادل، فإذا عرف من يتهم بالجناية أن القاضي يقضي على كل جان بما يستحقه من العقاب، ولا تأخذه في تنفيذ