ما يقضي به لومة لائم، كان هذا من أسباب إحجامهم عن الجناية؛ حذراً من أن تناله عقوبتها المؤلمة.
فالقاضي العادل هو الذي يأخذ أرباب الجرائم بالحزم، ولا يجيب عاطفة الرأفة في إهمال عقوبتهم، ولا يقبل شفاعة من يشفع عنده لإِطلاق الجاني وتخلية سبيله من غير عفو المجني عليه.
وقد تقع ولاية الحكم إلى من ليس فيه كفاية لها، فتكون سيرته عاملاً من عوامل الإخلال بالأمن، ورؤساء الدولة المخلصون يحترسون من مثل هذا الحال بإرسال عيون من وراء كل ذي ولاية، حتى يكونوا على بينة من استقامتهم أو انحرافهم، وكذلك كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يرسل وراء كل عامل بعض من يثق به؛ ليطلع على سيرته، ويأتيه بخبرها، وقالوا في سيرة هشام بن عبد الرحمن أمير قرطبة: وكان يبعث بقوم من ثقاته إلى نواحي البلاد، فيسألون الناس عن سير عمالهم، ويخبرونه بحقائقها، فإذا انتهى إليه حيف من أحدهم، أنصف منه، وأسقطه، ولم يستعمله بعد.
ومن ينظر في تراجم الأمراء والقضاة الذين استقاموا على سيرة العدل، يجد الأمن في عهدهم سائداً، كما قالوا في سيرة ملك شاه بن ألب أرسلان، وكانت السبل في أيامه آمنة، تسافر القوافل أو الأفراد مما وراء النهر إلى أقصى الشام من غير خوف ولا رهبة.
ومما يساعد القضاء العادل على تثبيت دعائم الأمن: أن يكون الرجل قد عرف الجناية، فيؤدي شهادته على الجاني كما عرفها، وكذلك المحامي يساعد القضاة على تخفيف شر الجنايات، أو قطع دابرها، متى اتجه في دفاعه إلى إظهار الحقيقة، فإذا دافع عن الجاني، وهو يعلم أنه مرتكب الجناية، وبذل