عرضوها عليه، خرجوا والأسف على سفك لم سعيد يملا صدورهم.
وما كان من سعيد إلا أنه خرج إلى صلاة الظهر، وجلس في مجلسه الذي اعتاد الجلوس فيه من قبل، ولم يكن من الوالي إلا أن بعث إليه، فأتي به، فقال له: إن أمير المؤمنين كتب يأمر إن لم تبايع ضربنا عنقك. سعيد: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين.
هشام: اخرجوا سعيداً إلى السدة، ومدوا عنقه، وسلّوا عليه السيوف، ففعلوا، وسعيد مصر على عدم البيعة.
فلما رأى هشام إصراره، أمر به، فجرد من بعض الثياب؛ ليذوق ألم الجلد، وضرب خمسين سوطاً، ثم طافوا به في أسواق المدينة، ومنعوا الناس أن يجالسوه.
بايع أهل المدينة - علماؤهم وأهل الحل والعقد منهم - بولاية الوليد وسليمان العهد، وكان لسعيد بن المسيّب أن يجاري هذا الاجتماع دون أن يجد من أحد لومًا أو اتهامًا بالانحراف عن أوامر الشريعة، ولكنه رأى أن هذه المبايعة قد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها، فليس له أن يقدم عليها، وإن أجمع عليها أهل الأرض قاطبة.
وكان لسعيد رخصة في أن يقرأعليه كتاب عبد الملك فيسكت، ولكنه خشي أن يفهم الناس أنه موافق على هذه البيعة، فيكون سكوته كالإفتاء بصحتها، وإفتاء العالم بغير ما يراه حكم الله في الواقعة، من باب قوله على الله غير الحق، وهو يعلم أنه غير الحق، وذلك ما لا يصح أن يصدر من مؤمن، فضلاً عن عالم عرف بتقوى الله تعالى، واتخذه الناس قدوة مثل سعيد بن المسيّب.