العالم ليست عقيمة كزلة غيره، بل لكونه محل القدوة، تتناسل، وتذلل للعامة الطريق إلى إتيان أمثالها، وارتكاب ما هو أشد خطراً، وأكبر وزراً منها.
ثالثتها: النظر في شؤون الاجتماع ومجاري السياسة، وبهذا يمكنكم السير في إرشادهم العام على منهج يستدرج الناشئة إلى التجمل بالآداب، والقيام على المصالح.
ثم إن كانت الحكومة رشيدة، وطدوا لها في كثير من النظامات القيّمة والمشروعات النافعة أكناف الأمة، وأنذروها عاقبة التهاون بالطاعة، والاستخفاف بواجب السكينة.
فإن كانت تغمض عن بعض الحقوق طرفها، ولا يبالي الباطل أن يرفع تحت سلطتها رأسه، دعوها إلى موقف السياسة العادلة، وجادلوها بالتي هي أحكم وأهدى سبيلاً.
ومما يشهد به النظر، وتؤيده التجربة: أن سلطة الدين المالكة لقلوبهم تجعلهم أطهر الناس ذمة، وأشدهم رعاية لحقوق الأمة متى عهد إليهم بتدبير قضية، أو إجراء نظام.
رابعتها: قوة الإرادة؛ إذ من وظيفة العالم مراقبة سير الأمة، حتى إذا اعترضها خلل، أرشد إلى إصلاحه، أو ضلت عن حق، قادها إلى مكانه، ومن تصدى لتقويم الخاطئين، وردِّ جماح المبطلين، يلاقي بالطبيعة أذى، ويجد في طريقه عقبات لا يقتحمها إلا ذو عزم ثابت، وإقدام لا يتزلزل، وكم من عالم يفوقه أقرانه علماً وألمعية، ولكن ينهض لإحياء سنة، أو إماتة باطل، ويلاقي في جهاده شدائد، فيجتازها بنفس مطمئنة، ولا يلبث أن يرجح وزنه،