للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجد الذي لا يخلص سالكه من متاعب واقتحامِ أخطار، فلا بد أن يكون قد ضم بين جنبيه همة سامية، وارادة لنفس الفضيلة خالصة.

سبق لنا في التمهيد: أن الأعمال لا تصدر للخارج إلا مع استطاعة. ووسائل الاستطاعة تختلف باختلاف الأعمال، فمن الأعمال ما يتوقف على صحة الجسم، ومنها ما يتوسل إليه بالمال، وبعضها ينال بفصاحة المنطق، وآخر يفتقر إلى نفوذ الكلمة بوجاهة، أو رئاسة، أو حمية قوم، وقد جاء في مساقات الشريعة ضمّ هذه الأمور إلى أطراف الكمال، باعتبار التوسل بها إلى مقاصده.

* مزية الاستطاعة:

أما قوة الجسم، فاعتبارها من جهة أنها مكملة للشجاعة، وعدة لإرهاب المبطلين ودفاع أذيتهم، قال تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: ٢٤٧]. فلو كان الجسم الطويل العريض محشوًا بالجبن، وخور العقل، أو وقع التعرض به لمقاومة الحق ونصرة الباطل، لسقط عن ساحة الفضيلة، وكان صاحبه طفلًا، ولكنه في جسم كبير. قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: ٤]. ومثَّلهم بالخشُب المسندة؛ لأنها غير مرجوة النماء أو المنفعة، كما يرجى من الخشب القائمة في مغارسها.

وقال حسان - رضي الله عنه - في فئة تستبشر بملتقى الضلال؛

لا بأس بالقوم من طول ومن غِلَظٍ ... جسم البغال وأحلام العصافيرِ

وأما المال، فيعز شأنه في نفوس كثير من البشر، ويتغالون في إجلال صاحبه من غير نظر إلى حال تصرفه فيه.