للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيهما: أن يترفع التاجر عن هذه الحالة المزرية، ولا يبقى معه سوى خلق المكايسة، فإن عنى ابن خلدون: أنه يخل بالمروءة التي يحسن التحفظ عليها في نظر الشارع، فغير صحيح، بل هي معدودة من فروض الكفايات؛ كسائر الصنائع التي يتوقف عليها حياة الأمة، وقد كان أكابر الصحابة يتَّجرون. وإن أراد: مروءة الأشراف بحسب بعض العوائد، فمحتمل، ولكنا لا نعتد من حكم العادة بالشرف أو ما ينافيه، إلا بما قامت شواهد الشرع على صحة اعتباره.

وإذا وثقنا بأن الأعمال الشريفة ما حسنت في نظر الإسلام، انفتح لنا في طريق العلم بمعنى الشرف سبيلان:

أحدهما: أن العمل الفاضل ما ثبت حسنه بالدلائل المثبوتة في الكتاب والسنة، المأخوذة بإفهام المجتهدين على مقتضى وضع اللغة العربية وأساليب بلاغتها، فينهدم فيما بناه الزنادقة تعليم انطلى تمويهه على أعين بعض العامة، فاستزلهم في غواية، وهو أن هناك أحكاماً يتلقاها بعض الأخيار من تعليم باطني؛ ليعمل بها في نفسه، أو يخلعها إن شاء على أتباعه، فيبصرون رجلاً يقلب رسوم الشريعة، ويحيد عن منهجها الصريح، ويستمرون على اعتقاد كماله، بزعم: أن ما انتحله من الأوضاع المخالفة قد بلغ إليه بطريق غيب.

وترى كثيراً منهم يحمل في اعتقاده أن الرجل إذا ارتقى الذروة القاصية في الصلاح، سقطت عنه تكاليف الشريعة؛ كأنهم لم يتعلموا أن رسوم الشرع من عبادات وغيرها هي الحافظة لأركان الشرف، فمن نبذها، فقد نزع عن نفسه ثوب الكمال الإنساني، وأصبح عارياً من كل كرامة.