لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأحزاب: ٣٢]، فيفهم من الآية: أن صلة التزوج بشريف إنما تقابل بوجه من التفضيل، إذا صحبها وصف التقوى.
ويقول بعض المفسرين: إن الوقف في الآية عند قوله: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ}، ثم يبدا بالشرط، ويكون جوابه ما بعده، وهو قوله:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}[الأحزاب: ٣٢]، فتفيد الآية حينئذ تفضيلهن على النساء بإطلاق، وهو أبلغ في مدحهن. وهذا الوجه غير مستقيم، والذي يخدش فيه: أن الوقف على ما قبل الشرط غير متعين، وأن الآية لم ترد في سياق المدح والثناء، وإنما جاءت في معرض الوعظ والإرشاد.
ومن دلائل شرف الإنسان: اتصال نسبه بمن ثبت له ضرب من السيادة؛ فإن النسب الرفيع مظنة أن يحث النسيب على تنقيح سيرته، ويتحرى به قصد السبل في أدبه. ووجه هذا: أن من نبت في بيت فاضل، ونشأ في مهاد طاهر، من شأنه الاقتداء على أثر سلفه، ولا يفوته أن يقتبس من أنوار فضيلتهم، ولهذا يهجم على الإنسان العجب، ويتقوى في الإنكار، متى شاهد من سلالة الفاضل ما لا يقع منه موقع الرضا؛ كما قصه الله تعالى عن قوم مريم - عليها السلام -، في قولهم لها حين أنكروا عليها الولد من غير أب:{يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}[مريم: ٢٨].
وما ورد في الإسلام من النصوص النازلة به عن مكان الاعتبار، فمسوقة إلى حال نسب لم يفد صاحبه أدباً، ولم يبعث في همته نية صالحة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارُهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام إذا فَقهوا".
جاء في الشريعة ما يصرح بأن النسب لا يغني غناء العمل الصالح في