للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اطرد أن يكون التفاضل فيها بحسب التفاوت في التقوى، ولا حرج إن كان قسط التابع في النعيم مساوياً لنصيب المتبوع الذي هو أزيدُ منه طاعة، وأحمد سعياً، أو يقال: إن الآية أفهمت مساواة الذرية لآبائهم في المكان، وهذا يستلزم الاتحاد في مقدار النعيم وكيفيته، أما إذا فهم الإلحاق في قوله: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: ٢١] على معنى: المزاورة والمواصلة أحياناً، لا المجاورة بالسكنى، فترتفع شبهة التعارض من حيث نشأت.

وأما عنايته تعالى بذي النسب الفاضل في هذه الحياة، فمن مظاهر قولى تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف: ٨٢]، فقوله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} يلوح إلى أن من أسباب إقامة الجدار لهذين الغلامين رعاية صلاح أبيهما.

ولم نظفر فيما ثبت من نصوص الشريعة بما يدل على شمول هذه العناية للنسيب الذي فسق عن أمر ربه، وأطلق عنانه في مسابقة الغاوين؛ كما يتوهم بعضهم في أحوال تتفق للنسيب الفاجر، فيلقبونها بالكرامة، ويزعمون أنها انجرّت له من العناية بأبيه الصالح، أو جده، ويسوقون في استشهادهم على ما يزعمون قوله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}، والحال أن الآية واردة في قصة غلامين موصوفين باليتم، واليتيم إنما يطلق حقيقة على الولد قبل أن يبلغ الحلم، ويكتب في صحيفته القلم، وكأنهم جهلوا أو تناسوا أن المعاصي والضلالات تزل به في مواقع الهون، وتتخبطه في مصارع الغضب، وكيف يلتقي الغضب والكرامة التي هي من مآثر الرضا في موضع؟.

ألقى الله تعالى على من انتظم في سمط النسب النبوي عناية خاصة، فطهّرهم عن أخذ الزكاة، وأكد في مودتهم ومعاملتهم بالمبرة والاحترام،