قال ابن خلدون في "المقدمة": ليس معرفة الوضع الأول بكاف في التركيب حتى يشهد له استعمال العرب لذلك، وأكثر ما يحتاج إلى ذلك الأديب في فني نظمه ونثره؛ حذراً من أن يكثر لحنه في الموضوعات اللغوية في مفرداتها وتراكيبها، وهو شر من اللحن في الأعراب وأفحش.
ولو اقتدينا بالشهاب في إباحته، وسرنا على أثر مقالته المطلقة العنان، لعمدنا إلى مثل: قط، وقبل، وعند، ومع، وأخرجناها عن الظرفية إلى نحو الابتداء، أو الفاعلية، ولا أحسبه يرضى للغة هذه الفوضى، فيفصم نظامها، وهو يريد توسيع نطاقها.
والتحقيق في هذا المطلب: أن ما يصلح أن نجريه على القاعدة في الإعراب نوعان:
أحدهما: ما يدور على ألسنة البلغاء وغيرهم، ويجري في مخاطباتهم بحالة خاصة من الإعراب، مثل: عند، وقبل، وقاطبة، ومع، وهذا هو الذي نقف فيه عند حد السماع؛ فإن كثرة دورانه في مجاري كلامهم نظمًا ونثرًا، وتقلبه في أساليبهم بحالة مخصوصة من الإعراب يشعر بقصدهم إلى تخصيصه بتلك الحالة، وما كان ينبغي لنا في هذا القسم إلا أن نتحرى الطريقة المألوفة في استعماله.
ثانيهما: ما لا يتردد في أغلب مخاطباتهم، وإنما يرد في حال لا يدل على قصدهم إلى قصره على الحالة التي جاءت بها الرواية. وهذا هو الذي يسوغ لنا أن نخرج به عن حالته الواردة. ونستعمله في المواضع التي يساعد عليها الوضع، فلو لم نسمع لفظ الضرغام، أو اللوذعي، أو الفيصل إلَّا فاعلاً أو