ما يرويه، فيؤخذ من صريحه أنه يرى صحة الاحتجاج بكلام المحدث إذا كان من أئمة اللغة، وليس مذهبه هذا بسديد، وقياس ما يقوله أبو تمام على ما يرويه غير صحيح؛ فإن التكلم بالعربية الصحيحة لعهد أبي تمام ناشئ عن ملكة تستفاد من تعلم صناعتها، ومدارسة قوانينها، فعلى فرض أن لا تفوته معرفة بعضها، قد يذهل عن ملاحظة تلك القوانين، فلا يامن أن يزل به لسانه في خطأ مبين. وأبو تمام نفسه صدرت عنه أبيات كثيرة خرج فيها عن مقاييس العربية.
قال ابن الأثير: لم أجد أحداً من الشعراء المفلقين سلم من الغلط، فإما أن يكون لحن لحناً يدل على جهله بمواقع الإعراب، وإما أن يكون أخطا في تصريف الكلمة، ولا أعني بالشعراء من هو قريب عهد بزماننا، بل أعني بالشعراء من تقدم زمانه؛ كالمتنبي، ومن كان قبله؛ كالبحتري، ومن تقدمه؛ كأبي تمام، ومن سبقه؛ كأبي نواس.
أما العربي القح، فإنه يطلق العبارة بدون كلفة في اختيار ألفاظها، أو ترتيب وضعها، فتقع صحيحة في مبانيها، مستقيمة في إعرابها، ولا يكاد يلحن في إعراب كلمة، أو يزيلها عن موضعها إذا ترك لسانه وسجيته، ومن ثم كان قرض الشعر كالخطابة على الارتجال والبديهة شائعاً عند العرب، نادراً في عصر المولدين، ولا يعترض هذا بأن كثيراً من العرب يطيل المدة في عمل القصيدة؛ كما فعل زهير في حولياته؛ لأنه يستوفيها في أمد قريب، ويتمها على شرط الصحة، ولكنه لا يخرجها للناس إذا فرغ من عملها إلا بعد التروي، وإعادة النظر في تقويم معانيها، وحسن النسق في بنائها وإحكام قوافيها، لا ليخلصها من اللحن، ويطبق عليها أصول العربية كما هو شأن المحدثين.