للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضع المعاني النحوية التي هي الحذف ونحوه من التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير في مواضعها إنما يعرف بالملكة التي تتربى من كثرة كلام البلغاء، أو دراسة علم المعاني.

فكلام الشيخ عبد القاهر يشبه قول الزمخشري في مقدمة "المفصل" يمدح علم النحو: "وهو المرقاة المنصوبة إلى علم البيان، المطلع على نكت نظم القرآن".

ثم إن الشيخ عبد القاهر بعد أن قال: "أن تنظر في الخبر، وتنظر إلى الحروف؛ فتضع كلاً من ذلك في خاص معناه"، قال: "فتنظر في الجمل التي ترد، فتعرف موضع الفصل من موضع الوصل، وفي الوصل موضع الواو من الفاء، والفاء من ثم، إلى غير ذلك".

والمراد: أنك بعد أن تنظر إلى الوجوه التي تذكر في النحو؛ تعرف أن لكل واحد منها موضعاً مخصوصاً عند تركيب الكلام باعتبار إفادتها الأغراض المطلوبة منها، وتجيء بكل واحد في موضع ينبغي له.

والخلاصة: أن تنظر في الجمل التي تؤلف باعتبار العوارض التي يبحث عنها في علم النحو من العطف بالحروف المختلفة المعاني وتركه، فتعرف بالسليقة، أو بعلم المعاني موضع كل منها بحسب الأغراض المطلوبة منها، فتجيء به في موضعه.

وقد رأيت الشيخ كيف ذكر وجوهاً من تصرفات الخبر، ووجوهاً من تصرفات الشرط والجزاء، وأشار إلى حال التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير، والحذف والتكرار، والإضمار والإظهار، ونبه على أن النظم أن تضع كلاً من ذلك مكانه، وتستعمله على الصحة، وعلى ما ينبغي له، ثم قال: