للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"ولست بواجد شيئاً يرجع صوابه إن كان صواباً، وخطؤه إن كان خطأ إلى النظم، ويدخل تحت هذا الاسم، إلا وهو معنى من معاني النحو قد أصيب به موضعه، ووضع في حقه".

فالنحوي يدلك على أن المبتدأ والمفعول - مثلاً - متى فهم بقرينة حال أو مقال، جاز حذفه، ولكن هذا المعنى النحوي الذي هو الحذف لا يأخذ به الكلام حكم الصواب عند البلغاء إلا أن تصيب به موضعاً من مواضعه المعروفة لدى السليقة العربية الصحيحة، أو الملم بالقوانين المبحوث عنها في فن البلاغة.

ومن الظاهر أن الشيخ عبد القاهر عندما ذكر أن النظم توخي معاني النحو، والعمل على قوانينه وأصوله، يريد: النحو الذي كتب فيه النحاة قبله، مثل: سيبويه، وأبي علي الفارسي، وابن جني، ويريد القوانين والأصول المقررة في كتب هؤلاء وأمثالهم، وليس من المحتمل أن يريد نحواً وقوانين وأصولاً لم يتكلم أو لم يحقق البحث فيها العلماء من قبله. ننفي هذا الاحتمال؛ لأنه يذكر النحاة وأصولهم وقوانينهم ذكرَ من هو راضٍ عنها، ولم يرمِهم كما رماهم المؤلف بإزهاق روح فكرة النحو، وعدم الاهتداء في أبحاثهم النحوية، ولو أن الشيخ عبد القاهر يريد أن يرسم طريقاً جديداً للنحو، لنبه -ولو بايماء ولطف- على أن النحاة ضيقوا دائرة النحو؛ وأهملوا جانباً من معانيه وأصوله.

وقد رأينا الشيخ عبد القاهر قد ألف في النحو مثل شرحه لكتاب الإيضاح الذي سماه: "المقتصد"، وذهب فيه مذهب النحاة من قبله ومن بعده في تقرير القواعد التي يستقيم بها التركيب، ويسلم بها من آفة الفساد، تاركين النظر فيه من جهة الفصاحة وحسن البيان إلى علماء البيان.