وإذا قال الشيخ: إن النظم يعني البلاغة والبراعة أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، فهذا القول لاغبار عليه، ولا يقتضي أن رعاية قوانين النحو وحدها كافية في صوغ الكلام البليغ، أو فهم ما في الكلام من بلاغة عند سماعه، ذلك لأن النحو كما قدمنا يبحث عن المفردات والجمل من حيث هيئاتها التركيبية؛ فيفتح أمامك طرقاً متعددة للتعبير عن المعاني الوضعية، وليس من شأنه التعرض للأغراض التى يستدعي كل واحد منها طريقاً خاصاً، فما من غرض يعرض لك إلا وجدت له في النحو طريقاً تعبر به عنه، ولكن معرفة أن هذا الغرض يؤدى بهذا الطريق تحتاج فيه إلى وسيلة أخرى هي السليقة، أو تتبع علم المعاني، ونريد من الأغراض التي ليس من شأن علم النحو أن يبحث عنها: ما يسميه علماء البلاغة: المعاني التابعة؛ كالتعظيم يؤدى بالتركيب الذي يعبر فيه باسم الاشارة للبعيد، والتحقير يؤدى بالتركيب الذي يحذف فيه المسند إليه.
ودلالة الألفاظ على هذه الأغراض لم تكن بطريق الوضع، ولهذا لا يبحث عنها علماء اللغة أيضاً.
ذكر المؤلف: أن الشيخ عبد القاهر قد بلغ أقصى الجهد في تصوير رأيه وتوضيحه، وقال "فجمهور النحاة لم يزيدوا به في أبحاثهم النحوية حرفاً، ولا اهتدوا منه بشيء".
لم يزد النحاة بكتاب "دلائل الإعجاز" حرفاً؛ لأنه لم يؤلف في علم النحو، ولا قصد مؤلفه أن يزيد في علم النحو مسألة، وليست مباحثه مما تهدي إلى شيء من علم النحو.
وكيف يستقيم رأي المؤلف في أن عبد القاهر يقصد رسم طريق جديد