للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعد في طبقة المجتهدين، ودرس علم الطب، وألف فيه، وقالوا في ترجمته: "كان يفزع إليه في الطب كما يفزع اليه في الفتوى (١) ".

ولا عجب أن يقبل الفقهاء على علم الطب، فإنهم يرونه من العلوم التي رفع الشرع الإسلامي منزلتها، حتى إنهم بنوا كثيراً من الأحكام الشرعية على رعايته، واستعانوا في بيان أسرار الأوامر والنواهي بشيء من مسائله، ومثال هذا: أن النبي - صلوات الله عليه - قال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعًا إحداهن بتراب"، والعلامة محمد بن رشد جد الفيلسوف ابن رشد أول من نبه - فيما بلغنا - على أن هذا الامر مراعى فيه وجهة طبية، هي ما يخالط لعاب الكلب من مواد ضارة تعرض له عند ما يصاب بداء الكلب، وإصابته بهذا الداء قد تكون خفية، فلا تظهر لكل ناظر (٢).

فلولا أن علم الطب قد وقع فيما مضى بأيدي علماء اللغة، ما ظفر هذا العلم بتلك المصطلحات التي ترتبط باللغة ارتباطاً محكماً.

ويدلكم على أن أولئك الأطباء اللغويين كانوا يجتهمون في أن يخرج علم الطب في لسان عربى فصيح: تحريهم العربية الفصحى في ألفاظ مؤلفاتهم، نجد في ترجمة الطبيب اللغوي مهذب الدين عبد الرحيم بن علي: أنه كان إذا تفرغ من افتقاد المرضى من أعيان الدولة وغيرهم، يأتي إلى داره، ويأتيه طلاب علم الطب قوماً بعد قوم، وكان إلى جانبه - مع ما يحتاج إليه من الكتب الطبية - كتب اللغة: "الصحاح" للجوهري، و"المجمل" لابن فارس، وكتاب "النبات" لأبي حنيفة الدينوري، فكان إذا جاءت في الدرس


(١) كتاب "الديباج" لابن فرحون.
(٢) "بداية المجتهد" للحفيد الفيلسوف ابن رشد.