للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلمة لغوية محتاج إلى كشفها وتحقيقها، نظرها من تلك الكتب.

ومن يطالع شيئاً من مؤلفات أولئك الأطباء، ويمعن النظر فيما يستعملون من أسماء الأمراض وغيرها من المعاني المتصلة بعلم الطب، يعرف أن أولئك المؤلفين كانوا على اطلاع واسع في اللغة، وبذلك أمكنهم أن يجعلوا اللغة تسير مع علم الطب جنباً لجنب.

ينبئنا بهذا: أننا نجد جانباً عظيما من الألفاظ العربية غير الكثيرة الاستعمال مبثوثة في هذا العلم، ومنظومة في سلك مصطلحاته؛ ككلمة: "الحصف" للجرب اليابس، وكلمة: "الشرى" لبثور صغار حكاكة، وكلمة: "الحرصان" للحمة دقيقة لاصقة بحجاب البطن، وكلمة: "الصاخة" لورم يكون في العظم من صدمة أو كدمة (١)، و"القطرب" لنوع من الماليخوليا (٢).

وقف علم الطب بعد هذا في الشرق عند حد، وتناوله الغربيون من مؤلفات علمائنا، وأوسعوه بحثًا، وقطعوا فيه أشواطًا بعيدة المدى، وصارت المصطلحات العربية التي وضعت له من قبل لا تفي بما تجدد فيه من آراء ومستكشفات.

ظل هذا العلم يتقدم بخطوات سريعة، ويقيت لغتنا واقفة دونه بمراحل، ولما أقبل أبناء العربية على دراسته، اضطروا إلى أن يدرسوه بلغات أجنبية، وأصبح علم الطب وهو في ديارنا يدرس بلسان غير عربي.

وإذا وجد فيما سلف لغويون أطباء استطاعوا أن يسيروا بعلم الطب تحت ظلال اللغة ومقاييسها، فإن علم الطب الحديث واسع المباحث،


(١) التأثير فيه بنحو حديدة.
(٢) الماليخوليا: المزاج السوداوي.