كأني بالشاعر عندما فتح جفنه على الحصى، وهي في ملاستها وصفاء منظرها، انصرف خياله إلى ما يحاكيها من الجواهر النفيسة، ثم إلى حال تناسقها في هيئة قلادة، وتذكر بهذا موقعها من الصدر، فخطرت على قلبه الفتاة، وشرع يتصور كيف تنظر إلى تلك الحصى، فيهجم على ظنها بغتة أن قلادتها انفرطت، وأن ما تراه من الحصى إنما هو اللؤلؤ الذي كان متناسقاً في نحرها قد تساقط إلى مواطئ أقدامها، فلا تتمالك أن تضرب يدها على العقد حتى تحفظ البقية من السقوط، أو لتتيقن صدق ظنها، فتسعى إلى التقاطها.
ثالثتها: أن يجري الشاعر في استخلاص المعاني وتأليفها على ما يوافق الذوق السليم، فهو الحافظ لنظام المعاني؛ كما أن القواعد العربية تحفظ نظام الألفاظ، ومن الشعراء من تأخذه سنة عن هذا الشرط، فيضع المعنى الخيالي على مثال تشمئز منه النفس، كما أن ناسج الثياب من غزل اختلفت ألوانه، إذا لم يكن صاحب ذوق فائق، لم يحكم وضعها، وأخرجها في صورة تقذفها العيون.
ومثال هذا: أن أبا القاسم بن فرناس أنشد الأمير محمداً أبياتاً يقول فيها: